سنوات الضياع في المؤسسات التعليمية
بقلم المدرب : عماد خليفة إدريس
1- في مقهى الأنترنت
![]() |
حفلة غش جماعي برعاية إدارة المدرسة في امتحانات نهاية العام |
الهدوء و
الطمانينة تلف المكان و رائحة الورد المعطر تفوح في الأرجاء ، يبدو ان صاحب مقهى
الانترنت قد فرغ للتو من تنظيفه و ترويقه ، و
بينما كنت جالسا في ذلك الصباح في مقهى الانترنت ، احاول ان ارد على بعض
البريد الالكتروني المستعجل ، دخل علينا رجل في أواخر الأربعينات من عمره ، أشعث
اغبر ، تتسارع أنفاسه ، و يلتفت يمنة و يسرة ، كأنما كان يقاتل اهوال الردى و
تقاتله ! أرتفعت الأعناق في المقهى ، تنتظر الخطب الجلل ، أما انا و لست ادري
لماذا الا أن اول ما خطر ببالي هو دخول جساس على قومه يوم قتله كليب ! اتجه زائرنا
المفجوع الي الطاولة الرئيسية في المقهي و قال متسائلا :
-
وين فلان ؟ أريده ضروري ؟
نعم تفضل انا هو ! (رد الشاب مدير المقهى) .
-
ابنتي هاتفتني من قاعة الامتحان ، و هذا
امتحان الحاسوب للشهادة الثانوية ، نريد ان تجيب عن الأسئلة الآن ، لا احد في لجنة
الامتحانات بالمدرسة يعرف الإجابة !؟ المعلمات في انتظاري لكي اعود بالإجابة الان
! مررت على عدة مكاتب و مقاهي و دلوني عليك .
تطلع مدير المقهى
الي الأوراق بكل جدية و اهتمام ، و صال و جال ما بين كمبيوتره المحمول يبحث في
الجوجل حينا و يقلب ملفات جهازه حينا ، و يستخدم النقال حينا ، و يقلب الأوراق و
الكتب في مكتبه الصغير حينا ، أما الأب المفجوع فبات يهاتف ابنته حينا في قاعة
الامتحانات و يهاتف المعلمات المنتظرات حينا أخر يطمئن هؤلاء و هؤلاء ! و تبرع بعض
الشباب من رواد المقهى بالمساعدة و إغاثة الملهوف ، و شرعوا يسألون الجوجل و هو
يجيب .
أخد الأب الإجابات
فرحان يمد الخطو جذلانا و قد ملأ المكان تهليلا و تكبيرا و دعاء و ثناء . خرج من
المقهى و ابتلعه الزحام !!؟
2- في محل خدمات
الطباعة و التصوير
رجل مسن يرتدي
الملابس التقليدية ، يتجه الي الشاب الذي يقف خلف ألة التصوير و يسأله بصوت مرتفع
في المحل الذي كان غاصا بالزبائن الواقفين و الجالسين :
-
عندك حجابات غش الثانوية الطبية !!؟
اجاب الشاب بصوت
جهوري :
-
عندي ياحاج ! و في جميع المواد .
-
الله ايربحك يا وليدي .
أخذ الحاج
القصاصات الجاهزة و المعدة مسبقا بطباعة صغيرة و عندما هم بالخروج أستوقفه احد
الزبائن و سأله :
-
يا حاج .. ماذا ستفعل بالحجابات ؟
-
اريدها لبنتي ... أريدها ان تحصل على مجموع
لكي تدخل كلية الطب ! أريدها أن تصبح (تكتوره) !
و ابتسم بكل فخر و
خرج من مكتب الخدمات و ابتلعه الزحام كما أبتلع من قبله .
3- في محاضرة جامعية
القاعة بدون باب و
نوافذها شبه عالقة ، فإن فتحت لا تغلق و إن اغلقت لا تفتح ، ذكريات العشق و الغرام
و بذئ الكلام تحاصرني بل و تخنقني عن يمين السبورة و عن يسارها و في السقف و على
الجدران ، بقايا مقاعد محطمة هنا و هناك ، رائحة التبغ و العطور الرخيصة تعبق
المكان ، و بعد انتظار جاء الطلاب تسبقهم رنات اجهزتهم النقالة و احاديثهم السوقية
و ضحكاتهم الصبيانية و بدأت رحلة من العذاب لمدة ساعتين . اعداد الطلاب كثيرة ،
بعضهم لم يجد مقعدا ، بعضهم الأخر يتسلى بألعاب الهاتف ... فجاة يصرخ احدهم : ما
نسمعوش فيك أرفع صوتك ؟ ما نشوفش في السبورة ؟ مجموعة تاتي متاخرة ، مجموعة تخرج
غاضبة ... و لأن القاعة بدون باب فقد أصبحنا فرجة للرايح و الجاي . و ما أن بدانا قليلا في المحاضرة و ساد نوع من الانسجام
النسبي حتى دخل علينا احد موظفي الكلية جارتنا قائلا :
-
ماذا تفعلون هنا ؟ هذه قاعتنا ، أذهبوا الي
قاعات كليتكم !؟
-
و لكن تم الاتفاق بين الكليتين على معالجة الأمر
، فرد بكل وقاحة : مش شوري ، القاعة ما تقعدوش فيها
خرج الطلاب يبحثون
عن قاعة أخري ، وجدنا إحدى قاعاتنا فجلسنا فيها و بدأت المحاضرة من جديد و لكن
الحكاية لم تنتهي ، يدخل أحد رجال الأمن متسائلا :
-
أنتم من أي كلية !؟
-
و ما الذي يعنيك من ذلك !؟
-
غير جاوبوني فقط أريد ان اعرف !؟
و في منتصف المحاضرة
تأتي مجموعة أخرى من رجال الأمن الجامعي و
بدون استئذان يدخلون القاعة يجرجرون المقاعد و الطاولات و يضعونها في وسط القاعة و
يخرجون و كان شيئا لم يكن و هم يتحدثون بصوت مرتفع و يدخنون السجائر !!؟ لا أحد في
القاعة سوى أستاذ جامعي و بعض الطلبة و الطالبات فقط !!
4- في قاعة الامتحان
المشرف الأخر في
القاعة يهمس في أذني : انظر الي ذلك الطالب ، إنه يحمل مسدسا ! سألته : هل رأيته
يغش ؟ فأجاب : لا إنه لا يغش ، فاجبته : إذن دعه ، ليس عملنا جمع الأسلحة منهم ! و
طالب اخر ينظر اليك بكل وقاحة ثم يقول : خلونا نغشوا شوي !!؟ و لعل اكثر ما أثر في
هو ذلك الموقف الذي لن انساه ما حييت ، سلم الطالب ورقة الاجابة و هم بالخروج
مغادرا ، فأشرت إليه ان يكتب اسم المقرر على الورقة ، فقال لي معروفة ! ما فيش
داعي ! عرفت السبب ضمنا فسكت ، و لكن الاستاذ المشرف الأخر ألح عليه .. تلعثم
الطالب و خربش خربشات و نظر إلينا بخجل و انصرف ... لا يعرف كبف يكتب اسم المقرر
!! شعرت شعور غريب ملئ بالشفقة و الحسرة و الألم !! لقد أضعناهم !! شباب و شابات
يسلمون كراسات الإجابة فارغة كما هي !! الله يلعن كل المعلمين و المعلمات و أولياء
الأمور الغشاشين عاشقي المعدلات النهائية و المظاهر و المجاملات و المسؤولين
بوزارة التعليم عن هذا التجهيل الجماعي مع سبق الإصرار و الترصد !!
أما عن أحدث موضات
الغش النسائي فهو ارتداء النقاب فقد أصبح اسهل وسيلة للغش ، فلا نستطيع التحقق من
شخصيتها و لا ماذا تضع في أذنيها او تخبئ تحت عباءتها الفضفاضة ، و برغم نقابها فإن عطرها يعبق المكان و عيناها رسمتا
بشكل مبالغ فيها و أظافرها ازدانت بالطلاء ، فارتداء النقاب ليس تقوى و إنما وسيلة
للغش و التحايل .
5- في يوم مراجعة
نتيجة مقرر جامعي
تم ابلاغي بموعد
لمراجعة نتيجة طالب جامعي راسب في احد المقررات ، تواجدت في المكان و الزمان ، و
سألت : أين لجنة المراجعة ؟ لا توجد لجنة المراجعة ، انت وحدك فأفعل ما شئت ! و
سألت : أين مكان المراجعة ؟ لا يوجد مكان أذهب الي القاعة المفتوحة لأعضاء هيئة
التدريس و تتم المراجعة هناك . كل الطلاب في قاعة المراجعة ، و كل الاساتذة في
قاعة المراجعة .. امر أشبه بسوق شعبي .. الطالب يحاجج و يناقش و الجميع يتفرج و قد
يأتي معه اقاربه و أصدقائه .. أحد الطلبة لم تعجبه نتيجة المراجعة فاطلق للسانه
العنان بالشتم و السباب و لم يخلو الأمر من بعض حركات الجودو و التيكواندو أيضا
... في ذلك الفصل تم تعديل نتائج عدد كبير من الطلاب !!
6- باختصار "إذا ضاع
التعليم .... ضاع الوطن !!"