![]() |
بقلم المدرب : عماد خليفة إدريس |
مأساة عصفور القفص .. و ربيع ثورات العرب
عصفور القفص ، منذ أن ادرك الحياة و هو في
هذا القفص ، لا يعرف الا تلك اليد التي تمتد له و تقدم له الطعام حينا و تمنعه عنه
حينا آخر ، تذكره و تنساه ، محيط إدراكه
هو تلك الجدران المحيطة به ، يغرد بأمر سيده ، و يصمت بأمر سيده ، و يعيش ببركة
سيده و يسبح له في الليل و النهار . قرر سيده يوما ان يمنحه بعض الضوء و الدفء
فأصبح يخصص ساعة في النهار يضع فيها قفص عصفوره في النافذة . أنبهر العصفور بكل ذلك
الضوء و الأفق الرحب و شاهد العصافير الأخرى تحلق عاليا في عنان السماء ، و بدأ
يحدث نفسه !؟ يا إلهي ، كل هذا الأفق الرحب و الفضاء الواسع و أحبس في قفص صغير !؟
أريد أن اطير !! أريد أن اطير !! و تذكر العصفور المرات الكثيرة التي ترك فيها
سيده باب القفص مفتوحا ، و لكنه لم يفكر حتى تفكير بالخروج من القفص ، و عقد العزم
على أن يخرج من القفص في أول فرصة تسنح له .
في اليوم التالي سنحت له الفرصة فغافل سيده و خرج من القفص و حلق في الفضاء الرحب بأقصى ما يستطيع ... حلق عاليا عاليا أعلى من كل العصافير الأخرى ، لم يكن يرى في حريته الا السعادة و الانطلاق .. و استمر يحلق ... ذلك العصفور الغر أعجبه جمال الطبيعة و الفضاء الرحب ، و في المساء جاع العصفور و انتظر سيده ليطعمه !! و لكن أين سيده !!؟ لا يعرف العصفور الا هرة سيده الكسولة الوديعة فاعتقد ان كل الهررة وديعة و كسولة ، لم ير طائرا جارحا في حياته فاعتقد ان كل الطيور أبناء عمومته و أصدقائه . و في كل يوم ، بل في كل ساعة كانت يكتشف أشياء جديدة و أخطار تتربص به في كل مكان ، فالهررة ليست وديعة و كسولة كما يعرف ، بل هي تتحين الفرصة لتنقض عليه ، و الطيور الكاسرة ليست من ابناء عمومته و لكنها عدوة لدودة له تشاركه الفضاء الرحب و تأكل صغار العصافير و ضعافها . أطفال المدينة ليسوا كأطفال سيده اللطفاء و لو امسكوا به لنتفوا ريشه . العصفور الصغير أرهق جسمه الجوع و التعب ، و أرهق عقله التفكير ، و تذكر طعام سيده و جمال قفص سيده ، و دفء منزل سيده ، و بدأ له ذلك الفضاء الرحب موحشا و قاسيا و رحلة الطيران المتعبة بحثا عن الغذاء و الأمان رحلة عذاب و شقاء .....
سيد العصفور وضع القفص في النافذة و
ترك بابه مفتوحا .... العصفور الصغير يحن الي القفص و يطير قرب النافذة و يفكر ،
هل أعود الي القفص و أرتاح من مسؤولياتي !! لا أعلم شيئا و احتاج الي كثير من
الوقت كي اتعلم و أتدبر اموري !؟ أنا مرهق كل يوم و قد أكون جائعا ! و لكنى اطير
بحرية !؟ و هل حريتي تشبعني !؟ و هل توفر لي أمنا و امانا !؟ و عندما اعود الي
سيدي هل سيوفر لي ما احتاج !؟ ربما ينساني أحيانا و لكنه سيطعمني !؟ ربما سيضعني
في غرفته بعيدا عن النافذة و لكني سأغرد له كما يشاء !؟ ماذا لو توقفت عن التغريد
!؟ فهل سيهتم بي !؟ ماذا لو فقدت ريشي الجميل !؟ يطير العصفور و يقترب من باب
القفص حينا و يبتعد !!؟في اليوم التالي سنحت له الفرصة فغافل سيده و خرج من القفص و حلق في الفضاء الرحب بأقصى ما يستطيع ... حلق عاليا عاليا أعلى من كل العصافير الأخرى ، لم يكن يرى في حريته الا السعادة و الانطلاق .. و استمر يحلق ... ذلك العصفور الغر أعجبه جمال الطبيعة و الفضاء الرحب ، و في المساء جاع العصفور و انتظر سيده ليطعمه !! و لكن أين سيده !!؟ لا يعرف العصفور الا هرة سيده الكسولة الوديعة فاعتقد ان كل الهررة وديعة و كسولة ، لم ير طائرا جارحا في حياته فاعتقد ان كل الطيور أبناء عمومته و أصدقائه . و في كل يوم ، بل في كل ساعة كانت يكتشف أشياء جديدة و أخطار تتربص به في كل مكان ، فالهررة ليست وديعة و كسولة كما يعرف ، بل هي تتحين الفرصة لتنقض عليه ، و الطيور الكاسرة ليست من ابناء عمومته و لكنها عدوة لدودة له تشاركه الفضاء الرحب و تأكل صغار العصافير و ضعافها . أطفال المدينة ليسوا كأطفال سيده اللطفاء و لو امسكوا به لنتفوا ريشه . العصفور الصغير أرهق جسمه الجوع و التعب ، و أرهق عقله التفكير ، و تذكر طعام سيده و جمال قفص سيده ، و دفء منزل سيده ، و بدأ له ذلك الفضاء الرحب موحشا و قاسيا و رحلة الطيران المتعبة بحثا عن الغذاء و الأمان رحلة عذاب و شقاء .....
و السؤال الذي ليس له جواب : بعد أن جربت
شعوب ثورات الربيع العربي الحرية ، فهل ستكون نتائج ممارساتها للديمقراطية في
إعادة إنتاج لدكتاتوريات جديدة و يعود العصفور الغر الي القفص لأنه لا يريد ان
يتحمل مسوؤلياته و يبحث عن إله جديد يسبح بحمده في الليل و النهار .