الأحد، 26 نوفمبر 2017

نادي الكتاب - مناقشة كتاب "الشخصية الليبية"

عقد نادي الكتاب يوم الأحد الموافق 26. 11. 2017 جلسة مناقشة كتاب "الشخصية الليبية: ثالوث القبيلة والغنيمة والغلبة" لأستاذ علم الاجتماع بالجامعات التونسية "المنصف وناس" . بدأت الجلسة على تمام الساعة 12:00 ظهرا واستمرت لمدة ساعة ونصف بمقر نادي الكتاب بكلية الاقتصاد ،جامعة عمر المختار بمدينة البيضاء.

تعريف بالكاتب:
المنصف وناس عالم الاجتماع الثقافى التونسى اشتهر باسهاماته الفكرية والعلمية فى الإجابة على سؤال الهوية، مهتم بدراسة ديناميكيات التغيير السياسي والاجتماعي في المغرب الكبير وخصوصا تونس وليبيا. له أبحاث ودراسات منشورة باللغة الفرنسية ، وصدر له باللغة العربية بالاضافة الي كتاب الشخصية الليبية ، كتاب آخر بعنوان الشخصية التونسية، ومؤخرا صدر له كتاب "ليبيا التي رأيت ... ليبيا التي أرى" يشخص فيه الواضع الراهن في ليبيا.




تعريف بالكتاب:
يمثل الكتاب دراسة علمية للشخصية الليبية وفقا لمفهوم الشخصية القاعدية (الأساسية) وأعتمد في منهجيته العلمية على استخدام الملاحظة الأنثربولوجية وتحليل عينات من الشعر الشعبي والمقابلات الشخصية. عرض الكاتب مجموعة من الخصائص التي تميز الشخصية الليبية وكيف تفاعلت مفاهيم القبيلة والغلبة والغنيمة في تشكيل ملامح المواطن الليبي في إسقاطات وأمثلة من الواقع السياسي والاجتماعي في ليبيا.

مناقشة الكتاب:
تم عرض الخصائص الواردة في الكتاب واسقاطاتها بأمثلة واقعية من خلال خبرات وتجارب اعضاء النادي الشخصية (ما يرد تحت عنوان تجارب وملاحظات شخصية هي إضافات من جلسة نقاش الكتاب ولم ترد فيه وكانت على النحو التالي:

1- شخصية إرتجالية
لا تهتم بالنظر بروية في المقترحات ولا بالبحث في البدائل الممكنة ، فهي تفضل المضي قدما في اختيار واحد دون أية مراجعة .مثال من الكتاب :مبدأ الثورة الادارية في اعلان وزاره تم تأويله على انه الارتجال وعدم تطبيق اللوائح والقوانين مما أوجد ظروفا ملائمة لنهب المال العام وتوظيفه خدمة للقبائل والمصالح الذاتية. الارتجالية تسمح بخلط الوضعيات والوصول إلى الغنيمة ونيلها دون مراقبة.
تجارب وملاحظات شخصية
- يبني الليبي بيتا ويقضى عمره وهو يطوره ويغيره وفي كل سنة يضيف غرفة أو يغير تقسيما بالبيت أو يضيف طابقا او يغير شباكا أو أو او ..... (يتخذ خيار واحد دون مراجعة ويقضى عمره يعاني من تبعات القرار لأنه كان ارتجاليا وبدون تخطيط مسبق أو احتمالات).
- في ورش التدريب عندما اعمل مع فرق عمل ليبية - رغم أني اشير كتابيا الى كل المشاكل المتوقعة وكيفية مواحهتها - تذهب كل ملاحظاتي إدراج الرياح ويستمتعون بعد ذلك بالحلول الارتجالية لمعالجة المشاكل لانها تسمح بخلط الوضعيات والظهور بشكل أبطال (الغلبة) وربما الحصول على امتيازات أو التصرف بشكل عشوائي يعود بالفائدة الشخصية عليهم (الغنيمة).

2- شخصية غير مستقرة :
كيف للفرد الليبي أن يعرف الاستقرار إذا كان المجتمع برمته غير مستقر؟ لم تشهد ليبيا أية فترة استقرار سياسي ، وبما ان الدولة ضعيفة فقد لجأ الأفراد الى قبائلهم حضنهم الطبيعي والتي تتخذ من الترحال والتنقل طابعا سلوكيا وموروثا ثقافيا. ابتداء من عام 1973 تم العمل على إعادة إنتاج البداوة مجتمعيا اعتمادا على قوة السياسة. حيث تم تغليب النمط البدوي على بقية الانماط المعيشية حيث لم يتم فقط إقصاء الحضر وإنما تم قمع كل التعبيرات الثقافية غير البدوية مثل المسرح والسينما والرسم والنحت وإخضاعها للأدلجة المفرطة. لا تنمية ولا ديمقراطية بدون استقرار.
تجارب وملاحظات شخصية
التغييرات الكثيرة في نظم التعليم والصحة والتجريب وعدم الاستمرار.
- عدم استقرار اسم الدولة والعلم والنشيد الوطني والشعارات وتغيرها حسب المرحلة.
-
 من خلال ورش العمل التي قمت بها وشملت كل فئات المجتمع تقريبا (شباب - مجتمع مدني - موظفون - طلاب - اعضاء هيئة تدريس - عمل تطوعي) كان هناك شئ مشترك دائما وهو "عدم الاستقرار". (لا تعرف على وجه التحديد كم عدد المشاركين فالعدد المسجل قد يكون أكبر أو أقل من الحضور!! والالتزام متفاوت والحماس متذبذب، وفي كثير من الأحيان أشعر انهم لا يعرفون بشكل محدد ماذا يريدون من اشتراكهم بالبرامج التدريبية؟)

3- شخصية واقعية ونفعية : 
تجيد استخدام قوانين الربح والخسارة وتشخص بدقة مجالات نفعها ومواطن مصلحتها على الرغم من عدم استقرارها. جذور ذلك تأتي من المنطق القبلي الذي لا يسمح بالانحياز الا للغالب ولا يغامر بالانحياز للمغلوب ولا يقامر بمناصرته لأن مقياس التعامل مع الأخر ينبني على تشخيص دقيق للكسب ومعرفة ذكية بمواقع الاستفادة.
تجارب وملاحظات شخصية 
-
يدعي الليبيون حب الوطن والمحافظة عليه لكنهم لا يجدون حرجا - ويتم ذلك بشكل مقبول اجتماعيا وعادي - في بيع سلع الإغاثة والمتاجرة بالأسلحة والسلع المدعومة وتهريب البشر وتجارة بطاقات الائتمان ذات الرصيد بالعملات الصعبة المخصص لأغراض العلاج والسياحة. عندما يتعلق الأمر بالربح فليس هناك أية اعتبارات إخلاقية أو وطنية خصوصا لو تعلق ذلك باقتصاد البلاد.
-
وثائق العهد والمبايعة من القبائل والمؤسسات والمنظمات وغيرها والتي تتغير وتتبدل بتغير الأحداث السياسية وموازين القوى.
-
التملق (الدحنسه) لمراكز القوى لغرض تحقيق بعض المنافع الشخصية .
-
مؤسسات المجتمع المدني والتي ينحصر كل عملها في الحصول على تمويل وسفريات حيث تغير أهدافها وأغراضها وفق ما تتطلبه الجهات المانحة.

4- شخصية مسيطرة : 
وتتمثل في روح الغلبة والحرص على الهيمنة في التعامل مع الأخرين فمعظم القبائل التى والت إيطاليا أثناء الاحتلال فعلت ذلك من باب الحرص على غلبة القبائل الأخرى والسيطرة عليها وليس حبا في إيطاليا. إن الشخصية الليبية لكي تحكم سيطرتها فإنها لن تتواني في التحالف مع الشيطان!
ملاحظات وتجارب شخصية
-
الأطراف المتصارعة في المشهد السياسي تبني التحالفات وتتبادل الأدوار بشكل عجيب ومحير .. كل فترة معينة تختلط الأوراق وتعاد الحسابات ويحاول كل طرف إحكام سيطرته .
-
يحارب الجيش المليشيات ، ثم تنظم بعض الميليشيات للجيش لتحارب المليشيات الأخرى. يعاد خلط الأوراق من جديد وتظهر تحالفات جديدة.
-
اجتماعيا يحكم الوالدين سيطرتهم على ابناءهم فيتملكونهم ويرسمون لهم حياتهم ويفرضون عليهم خياراتهم (التعليم - الزواج - العمل) ويحكمون السيطرة عليهم بغضب الوالدين والعقاب الاجتماعي .
-
يظهر التسلط بوضوح في برامج الدراسات العليا بالجامعات الليبية حيث يخضع الطالب خضوعا كاملا لأراء ورغبات مشرفه (سيطرة علمية) كما يضطر الى ان يخوض صراعات السيطرة نيابة عن مشرفه مع الأساتذة الأخرين عند مناقشة رسالته. يفقد الأمر برمته أي قيمة علمية ويتحول إلي صراع للهيمنة . (من أكثر الأشياء إحباطا حضور مناقشة رسائل الماجستير في ليبيا).

5- شخصية شمولية وغير متسامحة : 
وتعني الاستفراد ورفض المنافسة وإزاحة المنافس مهما كانت الأدوات المستعملة في ذلك، واللجوء إلى تقليد الثأر فلا غلبة دون تسلط وعصبية
ملاحظات وتجارب شخصية
الشمولية:
- عدم نجاح التعددية وتجربة الأحزاب.
-
شخصنة الأمور في مجال العمل وإلغاء وإقصاء الأخرين.
-
إفشال التجارب الجديدة للاستمرار في اتجاه واحد
-
استخدام التحكم في نظم الإدارة وعدم الاهتمام ببناء وتأسيس قادة جدد (خوف المدير الحالي من المنافسة).
-
تصفية القذافي لرفاقه الضباط الأحرار.
-
الصقر الوحيد ، الحل الوحيد، الحل النهائي
عدم التسامح:
-
تعامل القذافي مع معارضيه ورفاقه المنافسين.
-
احداث الاعدام في 7 أبريل وغيرها من التصفيات.
-
الطريقة التي تم بها قتل القذافي.
-
مأساة تاورغاء.
-
تدمير ونهب وسرقة سرت.
-
التصفيات الجسدية بسبب الانتماء القبلي او العرقي أو الأيديولوجي.

6- شخصية محتكرة : 
مبنية على احتكار الثروة وليس على العدالة في التوزيع وعلى الهيمنة وليس على التقسيم التشاركي على الرغم من مظاهر الحرص على العدالة والتدين الطقوسي الشديد ، ويظهر ذلك بوضوح في علاقة السلطة السياسية بالثروة الريعية.
ملاحظات وتجازب شخصية
- دعوات التقسيم وفقا لتوزيع الثروات النفطية لغرض احتكارها والحصول على أكبر نصيب منها.
-
عند حصول ازمة معينة في بعض السلع يأخذ المواطن الليبي أكثر مما يحتاجه او اكثر من نصيبه.
-
تعدد الحكومات وبقاءها الدائم في الحكم ورفضها تسليم السلطة.
-
احتكار الادارات العليا في مؤسسات القطاع العام للمكاتب والنثرية والسفريات والقرطاسية وإقصاء بقية الكادر الوظيفي.
-
احتكار الادارات العليا لسلطة اتخاذ القرارات في المستويات الإدارية التنفيذية وتدخلها بالفرض أو الالغاء واحكام سيطرتها لتحقيق منافع شخصية وذاتية

7- شخصية غير متحمسة : 
لا تساعد على الإنتاج و لا تميل بطبعها للعمل والجهد، فهي حالة ملولة مترحلة في الزمان والمكان، وغير حريصة أكثر على التقيد والقيود تحب التأمل في الصحراء وتحتقر المهن الحرفية والصناعية لانها مقيدة وتفضل مهنتي الرعي والتجارة لأنهما لا يعيقان التنقل.
ملاحظات وتجارب شخصية
-
وجود عجز مستمر في العمالة المحترفة والمهنية رغم ارتفاع معدلات البطالة حيث تصل الي 30%.
-
ارتفاع نسب التوظيف في الوظائف الإدارية في القطاع العام (بطالة مقنعة).
-
فشل تجارب التصنيع في الثمانينات والتسعينات رغم الدعم المنقطع النظير لها.
-
عدم وجود شركات محلية للتنقيب عن النفط رغم الاعتماد الكامل للاقتصاد على النفط (القطاع يعتمد بشكل كامل على الشركات الأجنبية).
-
فشل تجارب التعليم المهني .
-
تصدير المواد الخام واستيراد السلع عوضا عن التفكير في تصنيعها لتغطية حاجة السوق المحلي والتصدير (التاجر يصدر ويستورد - الحرفي والصنايعي يصنع ويسوق).... مثال : تستورد الدولة مشتقات النفط وتصدر النفط ... التمور لا تجد من يجمعها وتمتلأ الأسواق بالتمر المستورد .
-
اختراع الليبين لانواع رخيصة من التجارة عوضا عن اللجوء لأشكال التصنيع والابتكار عندما بدات التجارة التنافسية عملا غير مربح (بيع السلع المدعومة - تهريب البشر- تجارة بطاقات الائتمان).

8- شخصية غير مراكمة : 
غير حريصة على حسن توظيف التجارب والخبرات، وتكره ضغوطات والتزامات المؤسسات والقوانين وضوابط الحياة العصرية. بحكم تركيبتها النفسية فهي شاعرية وتأملية ومقبلة على لذة الترحال زمنيا أو مكانيا، فهي ليست معنية بأن تبقي أثرا بعدها أو تكتسب خبرات من غيرها او تنقلها من خلال أليات التفاعل بين الأجيال المتعاقبة . شخصية تشجع القطيعة بين الأجيال وعدم تراكم الخبرات في صلب المجتمع.
ملاحظات وتجارب شخصية
-
فوضي التوظيف وسوء التوجيه. (التعيينات وفقا للولاءات القبلية و السياسية والتقسيمات المناطقية وليس بناء على الكفاءات والخبرات)
-
عدم وجود أي تطوير للنظم . أمثلة:مازالت النظم المصرفية بدائية جدا رغم مرور عدد كبير من السنوات وحصول تغييرات كبيرة في كل العالم، والنظم المحاسبية بدائية جدا تماما كالنظم القديمة من الستينات التي بدأت مع بداية وصول المحاسبين المصريين لليبيا.
في ورش العمل التدريبية التي قمت بها ، يضع المشاركون "مدونة سلوك" كمرشد ودليل لتنظيم عملية التدريب - يتعامل معها المشاركون بكل استخفاف مع إنهم هم من وضعها ، لايهتمون كثيرا للتعليمات المكتوبة ويحبون التعليمات الشفوية والتنبيه .
طريقة إعداد الشاي الليبية مثال واضح لعدم التعلم بالخبرة، يعد الشاي بشكل يومي ويستمر معد الشاي في التذوق وإضافة الشاي والسكر بدون تحديد مقادير معينة للتحضير رغم ثبات الظروف وتكرار العملية ، وكل يوم مذاق مختلف حسب مزاج معد الشاي.
-
المناهج والكتب الجامعية يعاد طباعتها بنفس المنهجية وطريقة العرض التقليدية ونفس الاخطاء المطبعية والاملائية والحسابية وبدون أي تطوير او تغيير او تعديل منذ السبيعنيات والثمانينيات. (مثال : كتب كلية الاقتصاد).

9- شخصية متكيفة : 
تملك مواد أولية خام تعطيها عبقرية التكيف والتحول ولها القدرة على إعادة البناء إذا ما توفر برنامج وطني شامل لإعادة بناء المجتمع الليبي بقيادة نخبة متبصرة تملك فلسفة الإرادة وتعمل وفق مسار شامل ومتكامل، فإن هذه الشخصية قادرة على تجاوز معوقاتها.
ملاحظات وتجارب شخصية
- سرعة 
التكيف مع المتغيرات التكنولوجية : الستالايت - الهاتف المحمول والأنترنت.

يبدو واضحا تداخل هذه الشخصيات وطبيعة العلاقة بينها وبين المؤثرات الرئيسية الثلاث (القبيلة، الغلبة ، الغنيمة) وسواء اتفقنا مع الكتاب ام اختلفنا معه فإنه يمثل قيمة كبيرة وبداية لدراسة هذه الشخصية في محاولة لايجاد حلول للأزمة الليبية ووقف العنف والصراع السياسي والانطلاق في رحلة التنمية والازدهار.