الخميس، 26 فبراير 2015

خواطر مدرب (7)

سنوات الضياع في المؤسسات التعليمية 
بقلم المدرب : عماد خليفة إدريس

1- في مقهى الأنترنت

حفلة غش جماعي برعاية إدارة المدرسة في امتحانات نهاية العام
الهدوء و الطمانينة تلف المكان و رائحة الورد المعطر تفوح في الأرجاء ، يبدو ان صاحب مقهى الانترنت قد فرغ للتو من تنظيفه و ترويقه ، و  بينما كنت جالسا في ذلك الصباح في مقهى الانترنت ، احاول ان ارد على بعض البريد الالكتروني المستعجل ، دخل علينا رجل في أواخر الأربعينات من عمره ، أشعث اغبر ، تتسارع أنفاسه ، و يلتفت يمنة و يسرة ، كأنما كان يقاتل اهوال الردى و تقاتله ! أرتفعت الأعناق في المقهى ، تنتظر الخطب الجلل ، أما انا و لست ادري لماذا الا أن اول ما خطر ببالي هو دخول جساس على قومه يوم قتله كليب ! اتجه زائرنا المفجوع الي الطاولة الرئيسية في المقهي و قال متسائلا :
-          وين فلان ؟ أريده ضروري ؟

 نعم تفضل انا هو ! (رد الشاب مدير المقهى) .

أخرج الرجل ورقة من جيبه و قدمها للشاب قائلا :
-          ابنتي هاتفتني من قاعة الامتحان ، و هذا امتحان الحاسوب للشهادة الثانوية ، نريد ان تجيب عن الأسئلة الآن ، لا احد في لجنة الامتحانات بالمدرسة يعرف الإجابة !؟ المعلمات في انتظاري لكي اعود بالإجابة الان ! مررت على عدة مكاتب و مقاهي و دلوني عليك .
تطلع مدير المقهى الي الأوراق بكل جدية و اهتمام ، و صال و جال ما بين كمبيوتره المحمول يبحث في الجوجل حينا و يقلب ملفات جهازه حينا ، و يستخدم النقال حينا ، و يقلب الأوراق و الكتب في مكتبه الصغير حينا ، أما الأب المفجوع فبات يهاتف ابنته حينا في قاعة الامتحانات و يهاتف المعلمات المنتظرات حينا أخر يطمئن هؤلاء و هؤلاء ! و تبرع بعض الشباب من رواد المقهى بالمساعدة و إغاثة الملهوف ، و شرعوا يسألون الجوجل و هو يجيب .
أخد الأب الإجابات فرحان يمد الخطو جذلانا و قد ملأ المكان تهليلا و تكبيرا و دعاء و ثناء . خرج من المقهى و ابتلعه الزحام !!؟

2- في محل خدمات الطباعة و التصوير

رجل مسن يرتدي الملابس التقليدية ، يتجه الي الشاب الذي يقف خلف ألة التصوير و يسأله بصوت مرتفع في المحل الذي كان غاصا بالزبائن الواقفين و الجالسين :
-          عندك حجابات غش الثانوية الطبية !!؟
اجاب الشاب بصوت جهوري :
-          عندي ياحاج ! و في جميع المواد .
-          الله ايربحك يا وليدي .
أخذ الحاج القصاصات الجاهزة و المعدة مسبقا بطباعة صغيرة و عندما هم بالخروج أستوقفه احد الزبائن و سأله :
-          يا حاج .. ماذا ستفعل بالحجابات ؟
-          اريدها لبنتي ... أريدها ان تحصل على مجموع لكي تدخل كلية الطب ! أريدها أن تصبح (تكتوره) !
و ابتسم بكل فخر و خرج من مكتب الخدمات و ابتلعه الزحام كما أبتلع من قبله .

3- في محاضرة جامعية

القاعة بدون باب و نوافذها شبه عالقة ، فإن فتحت لا تغلق و إن اغلقت لا تفتح ، ذكريات العشق و الغرام و بذئ الكلام تحاصرني بل و تخنقني عن يمين السبورة و عن يسارها و في السقف و على الجدران ، بقايا مقاعد محطمة هنا و هناك ، رائحة التبغ و العطور الرخيصة تعبق المكان ، و بعد انتظار جاء الطلاب تسبقهم رنات اجهزتهم النقالة و احاديثهم السوقية و ضحكاتهم الصبيانية و بدأت رحلة من العذاب لمدة ساعتين . اعداد الطلاب كثيرة ، بعضهم لم يجد مقعدا ، بعضهم الأخر يتسلى بألعاب الهاتف ... فجاة يصرخ احدهم : ما نسمعوش فيك أرفع صوتك ؟ ما نشوفش في السبورة ؟ مجموعة تاتي متاخرة ، مجموعة تخرج غاضبة ... و لأن القاعة بدون باب فقد أصبحنا فرجة للرايح و الجاي . و ما أن بدانا  قليلا في المحاضرة و ساد نوع من الانسجام النسبي حتى دخل علينا احد موظفي الكلية جارتنا قائلا :
-          ماذا تفعلون هنا ؟ هذه قاعتنا ، أذهبوا الي قاعات كليتكم !؟
-          و لكن تم الاتفاق بين الكليتين على معالجة الأمر ، فرد بكل وقاحة : مش شوري ، القاعة ما تقعدوش فيها
خرج الطلاب يبحثون عن قاعة أخري ، وجدنا إحدى قاعاتنا فجلسنا فيها و بدأت المحاضرة من جديد و لكن الحكاية لم تنتهي ، يدخل أحد رجال الأمن متسائلا :
-          أنتم من أي كلية !؟  
-          و ما الذي يعنيك من ذلك !؟
-          غير جاوبوني فقط أريد ان اعرف !؟
و في منتصف المحاضرة تأتي مجموعة أخرى من  رجال الأمن الجامعي و بدون استئذان يدخلون القاعة يجرجرون المقاعد و الطاولات و يضعونها في وسط القاعة و يخرجون و كان شيئا لم يكن و هم يتحدثون بصوت مرتفع و يدخنون السجائر !!؟ لا أحد في القاعة سوى أستاذ جامعي و بعض الطلبة و الطالبات فقط !!


4- في قاعة الامتحان

المشرف الأخر في القاعة يهمس في أذني : انظر الي ذلك الطالب ، إنه يحمل مسدسا ! سألته : هل رأيته يغش ؟ فأجاب : لا إنه لا يغش ، فاجبته : إذن دعه ، ليس عملنا جمع الأسلحة منهم ! و طالب اخر ينظر اليك بكل وقاحة ثم يقول : خلونا نغشوا شوي !!؟ و لعل اكثر ما أثر في هو ذلك الموقف الذي لن انساه ما حييت ، سلم الطالب ورقة الاجابة و هم بالخروج مغادرا ، فأشرت إليه ان يكتب اسم المقرر على الورقة ، فقال لي معروفة ! ما فيش داعي ! عرفت السبب ضمنا فسكت ، و لكن الاستاذ المشرف الأخر ألح عليه .. تلعثم الطالب و خربش خربشات و نظر إلينا بخجل و انصرف ... لا يعرف كبف يكتب اسم المقرر !! شعرت شعور غريب ملئ بالشفقة و الحسرة و الألم !! لقد أضعناهم !! شباب و شابات يسلمون كراسات الإجابة فارغة كما هي !! الله يلعن كل المعلمين و المعلمات و أولياء الأمور الغشاشين عاشقي المعدلات النهائية و المظاهر و المجاملات و المسؤولين بوزارة التعليم عن هذا التجهيل الجماعي مع سبق الإصرار و الترصد !! 
أما عن أحدث موضات الغش النسائي فهو ارتداء النقاب فقد أصبح اسهل وسيلة للغش ، فلا نستطيع التحقق من شخصيتها و لا ماذا تضع في أذنيها او تخبئ تحت عباءتها الفضفاضة ، و برغم  نقابها فإن عطرها يعبق المكان و عيناها رسمتا بشكل مبالغ فيها و أظافرها ازدانت بالطلاء ، فارتداء النقاب ليس تقوى و إنما وسيلة للغش و التحايل .

5- في يوم مراجعة نتيجة مقرر جامعي

تم ابلاغي بموعد لمراجعة نتيجة طالب جامعي راسب في احد المقررات ، تواجدت في المكان و الزمان ، و سألت : أين لجنة المراجعة ؟ لا توجد لجنة المراجعة ، انت وحدك فأفعل ما شئت ! و سألت : أين مكان المراجعة ؟ لا يوجد مكان أذهب الي القاعة المفتوحة لأعضاء هيئة التدريس و تتم المراجعة هناك . كل الطلاب في قاعة المراجعة ، و كل الاساتذة في قاعة المراجعة .. امر أشبه بسوق شعبي .. الطالب يحاجج و يناقش و الجميع يتفرج و قد يأتي معه اقاربه و أصدقائه .. أحد الطلبة لم تعجبه نتيجة المراجعة فاطلق للسانه العنان بالشتم و السباب و لم يخلو الأمر من بعض حركات الجودو و التيكواندو أيضا ... في ذلك الفصل تم تعديل نتائج عدد كبير من الطلاب !!


6- باختصار "إذا ضاع التعليم .... ضاع الوطن !!"